المملكة العربية السعودية- ريادة في مكافحة الاتجار بالبشر وحماية حقوق الإنسان

المؤلف: علي بن طالب بن توزان @Ali_bin_Tuzan08.27.2025
المملكة العربية السعودية- ريادة في مكافحة الاتجار بالبشر وحماية حقوق الإنسان

في معرض الحديث عن صون حقوق الإنسان ومجابهة الاتجار بالبشر، تتبوأ المملكة العربية السعودية مكانة رائدة بين الدول، إذ حققت إنجازات عظيمة ومتميزة. لم يقتصر الأمر على إصدار القوانين فحسب، بل تعداه إلى إنشاء منظومة شاملة ومتكاملة من التشريعات والسياسات والمؤسسات التي تجسد اهتمام القيادة الرشيدة العميق بهذا الشأن، وتأكيد حرصها الكامل على الحفاظ على كرامة الإنسان في شتى الظروف والأحوال. لقد أولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله ورعاهما – عناية فائقة واهتمامًا بالغًا بقضايا الإنسان، وذلك انطلاقًا من إدراكهما بأن كرامة الإنسان هي الأساس المتين الذي يقوم عليه أي مشروع تنموي أو حضاري. ومع تولي الملك سلمان زمام الحكم في شهر يناير من عام 2015، دشنت المملكة حقبة جديدة من التحول المؤسسي والحقوقي، حيث شهدت تعزيزًا كبيرًا للأطر التشريعية القائمة، وذلك من خلال إصدار المزيد من القرارات والتوجيهات الملكية السامية التي سعت إلى تفعيل النصوص القانونية وربطها بالتطبيقات والممارسات الواقعية، وتأكيد الدور المؤسسي في حماية الحقوق والحريات، لاسيما في الملفات التي تتسم بحساسية اجتماعية وإنسانية عالية، وفي مقدمتها مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص التي تمثل خطرًا جسيمًا. الاتجار بالبشر.. جريمة منظمة خطيرة إن الاتجار بالأشخاص يُعد بلا شك من أشد الجرائم المنظمة خطورة، إذ يهدد الأمن الإنساني والمجتمعي بشكل مباشر، ويستهدف الفئات الأكثر ضعفًا وهشاشة في المجتمع، وذلك عبر استخدام أساليب خداعية ماكرة واستغلال بشع ومقيت لضعفهم أو حاجتهم. وتتجسد صور هذا الاتجار في الاستغلال الجنسي البشع، وإجبار الضحايا على العمل القسري، وتسخير الأطفال الصغار في أعمال التسول المهينة، والقيام بنقل الأعضاء البشرية بصورة غير قانونية، وغير ذلك من الممارسات الدنيئة التي تسلب الإنسان أبسط حقوقه الأساسية. ونظرًا لأن المملكة العربية السعودية تضع الشريعة الإسلامية الغراء مرجعًا أساسيًا لها في التشريع والأخلاق، فقد جاءت مواقفها حازمة وشديدة تجاه هذا النوع من الجرائم، وذلك استنادًا إلى القيم الإسلامية السمحة التي تحرّم الظلم والاضطهاد والاستعباد بكل صوره وأشكاله، وتؤكد في الوقت ذاته على كرامة الإنسان وعلو شأنه في كل زمان ومكان وفي جميع الأحوال والظروف. عقوبات صارمة ورادعة في هذا السياق، صدر نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص في (14 يوليو 2009م)، وهو نظام يُعتبر بحق من أقوى وأفضل الأنظمة والقوانين في المنطقة بأسرها، سواء من حيث دقة الصياغة القانونية أو من حيث صرامة العقوبات الرادعة. لقد قام هذا النظام بتعريف الجريمة تعريفًا شاملًا ووافيًا، واعتبر أن جميع أشكال الاستغلال التي تقع على الإنسان هي جرائم تستوجب العقاب الشديد، وقرر أن العقوبات قد تصل إلى السجن لمدة قد تصل إلى خمس عشرة سنة، بالإضافة إلى الغرامات المالية الكبيرة. كما أن العقوبة يتم تشديدها وتغليظها إذا كانت الضحية من النساء أو الأطفال أو من ذوي الإعاقة واحتياجات خاصة. ومن المبادئ الهامة والبارزة في هذا النظام أنه لا يُعتد أبدًا برضا الضحية كدفع قانوني للجريمة، وذلك لأن الإكراه لا يكون دائمًا باستخدام السلاح أو العنف، بل قد يكون ناجماً عن الفقر الشديد أو الحاجة الماسة أو التهديد النفسي المؤثر. بالإضافة إلى ذلك، تضمن النظام ضمانات واسعة النطاق لحماية الضحايا وتوفير الأمن لهم، بما في ذلك توفير العلاج اللازم، والرعاية النفسية المتخصصة، وتوفير أماكن للإيواء الآمن، ومنح الضحية الحق الكامل في الحصول على تعويض عادل، وتجريم الترويج لهذه الجريمة البشعة أو حتى مجرد الشروع في ارتكابها. دعم النيابات العامة المتخصصة ومع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم، لم يكن الاهتمام مقتصرًا على مجرد تطبيق القانون القائم، بل تم دعم هذا التوجه الحميد بسلسلة متتابعة من التوجيهات والإجراءات التي عززت من حضور الدولة المؤسسي في هذا الملف الهام. فقد تم تقديم الدعم الكامل للنيابات العامة المتخصصة التي تتولى النظر والتحقيق في قضايا الاتجار بالبشر، وتوسيع نطاق صلاحيات هيئة حقوق الإنسان، وتفعيل التنسيق الفعال بين الجهات الأمنية والقضائية والاجتماعية المعنية. كما أولى الملك سلمان عناية خاصة واهتمامًا بالغًا بالفئات الأضعف في المجتمع، مثل كبار السن الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة، وذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى دعم مستمر، والعمالة المنزلية التي تحتاج إلى حماية قانونية، مما جعل البيئة الحقوقية في المملكة أكثر شمولًا واتساقًا وتكاملًا. وفي شهر يونيو من عام 2017، ومع تولي الأمير محمد بن سلمان منصب ولاية العهد، دخلت المنظومة الحقوقية في المملكة مرحلة أكثر تقدمًا وتطورًا على مستوى التخطيط السليم والتنفيذ الفعال، حيث بدأت الدولة في التحرك بخطى واثقة وثابتة نحو بناء مؤسسات متخصصة ذات طابع تنفيذي مباشر، وذلك لمواكبة المتغيرات المتسارعة وسد الثغرات الموجودة. وقد وجه سمو ولي العهد بتأسيس الإدارة العامة للأمن المجتمعي ومكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص، وهي جهة حكومية تابعة لوزارة الداخلية، وتضطلع بمهام الرصد الدقيق، والتحقيق الشامل، والتنسيق التام مع النيابة العامة، ومتابعة الضبط والإحالة، بما يضمن التعامل مع هذه الجريمة بشكل دقيق ومنهجي ومدروس. وتم الإعلان الرسمي عن تأسيس هذه الإدارة المتخصصة في عام 2025، وذلك كجزء لا يتجزأ من تطوير هيكلة الأمن العام، وضمن مشروع شامل يهدف إلى تعزيز الأمن الإنساني في المملكة العربية السعودية. وزارة الموارد البشرية.. جولات رقابية مكثفة إلى جانب ذلك، تضاعفت الجهود التنفيذية التي تبذلها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، والتي تبنت خطة وطنية شاملة لمحاربة الاتجار بالأشخاص، وتقوم هذه الخطة على أربعة محاور رئيسية وهامة: الوقاية من الجريمة، وحماية الضحايا، والعقاب الرادع للمجرمين، والتعاون المؤسسي الفعال. ونتيجة لهذه الجهود المباركة، تم تنفيذ الآلاف من الجولات الرقابية المفاجئة على منشآت القطاع الخاص، والمؤسسات التي تستخدم العمالة الوافدة، وتم تسجيل المئات من البلاغات التي تم التحقيق فيها على الفور واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق مرتكبيها. وقد تضمنت بعض هذه القضايا أعمال استغلال بشعة لعمالة وافدة مسكينة، أو تسخير قاصرين في أعمال تسول مهينة، أو خداع فتيات صغيرات بوظائف وهمية كاذبة بهدف استغلالهن لاحقًا، وقد تم التعامل مع كل تلك القضايا بحزم شديد وعدالة تامة. القضاء بالمرصاد.. أحكام حازمة ورادعة ولم يكن القضاء السعودي بعيدًا أبدًا عن هذه الجهود الحثيثة، فقد سجلت المحاكم السعودية أحكامًا حازمة وقوية ضد المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر، سواء كانوا من الأفراد أو الكيانات الاعتبارية، وعكست هذه الأحكام القضائية وضوح الرؤية القانونية الشاملة، والتكامل التام بين النصوص والإجراءات القانونية، والتفوق الملحوظ للكوادر القضائية السعودية في التعامل مع القضايا ذات البعد الإنساني والجنائي في آن واحد. ومن جانبها، واصلت هيئة حقوق الإنسان أدوارها الحيوية الهامة، فأطلقت آلية الإحالة الوطنية الموحدة لضحايا الاتجار بالأشخاص، وذلك بالتعاون الوثيق مع الجهات الأمنية والاجتماعية المعنية، وتم إنشاء مراكز متخصصة لإيواء الضحايا وتوفير المأوى الآمن لهم، وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية المتخصصة، وتوفير الدعم القانوني اللازم لهم. كما تواصل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، التابعة لهيئة حقوق الإنسان، أداء دورها التنسيقي الفعال مع كافة الجهات ذات العلاقة، من خلال إعداد التقارير الوطنية الشاملة، وتنظيم برامج التدريب المتخصصة، وزيادة الوعي المجتمعي بهذه القضية الهامة، وتنفيذ الخطة الوطنية وفق مؤشرات أداء واضحة ومحددة. كل هذه الجهود المخلصة تأتي منسجمة ومتوافقة تمامًا مع رؤية السعودية 2030 الطموحة، التي وضعت الإنسان في صلب أولوياتها واهتماماتها، واعتبرت أن العدالة والكرامة ليستا مجرد مبادئ عامة وشعارات براقة، بل هما التزام فعلي راسخ وممارسة مؤسسية مستمرة ودائمة. وقد انعكست هذه الرؤية بوضوح في تحديثات كبيرة وهامة شملت نظام المعاملات المدنية، ونظام الأحوال الشخصية، ونظام الإثبات، وكلها ساهمت في تعزيز الإطار القانوني العام بما يتماشى مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة، ورفعت من سقف الحماية القانونية والعدلية. تقدير دولي واسع النطاق وبفضل هذا التكامل التشريعي والتنفيذي المحكم، أصبحت المملكة العربية السعودية نموذجًا متقدمًا ورائدًا في مجال مكافحة الاتجار بالأشخاص، ولا يعتمد هذا النموذج على الصرامة القانونية فحسب، بل يعتمد أيضًا على التكامل المؤسسي الشامل، والتنسيق الدولي الفعال، والالتزام القيمي الراسخ المستمد من الشريعة الإسلامية السمحة، والرؤية الطموحة للدولة. إن الحديث عن مكافحة الاتجار بالأشخاص في المملكة العربية السعودية لم يعد مجرد نقاش قانوني عابر أو تطلع إلى إصلاحات مستقبلية، بل هو مسار واضح المعالم تبنته الدولة بكل قوة وإصرار، وعمقته القيادة الرشيدة بقراراتها وتوجيهاتها السديدة، وأثبت الواقع اليومي والممارسات العملية صدقه وأهميته، وهو ما جعل المملكة تتقدم بخطى ثابتة في المؤشرات الدولية ذات الصلة، وتحظى بالتقدير والاحترام الدوليين في تقارير المنظمات المتخصصة. وفي الوقت الذي تتخبط فيه بعض الدول الأخرى في قضايا الاتجار بالبشر، وتغيب فيها الآليات الفعالة أو تتراخى فيها الجهات المعنية، تواصل المملكة العربية السعودية طريقها بثقة تامة وثبات راسخ نحو بناء مجتمع آمن يصون الكرامة الإنسانية، ويجرّم ويعاقب كل من تسول له نفسه محاولة استغلال الإنسان بأي شكل من الأشكال؛ وذلك لأن الإنسان في المملكة، أولًا وقبل كل شيء، هو القيمة الأسمى والأعلى.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة